السبيل الصحيح
إن داء الجمود على المذهب لا يعالج بداء التسيب والفوضى. فمن الحكمة المحافظة على المنهج السليم الذي أثبتت التجربة صلاحيته مع التركيز على عدم التعصب أو الجمود، أو الوقوع في شباك المصنفات الحافلة بالتعقيدات اللفظية والتي صنفت غالبا في عصور الانحطاط، وتبقى متون الفقهاء المتقدمين عالية المستوى في صياغتها، مع السلامة من التعقيد اللفظي المبالغ فيه. إن أقوم طريقة وأسرع وسيلة يصل بها المتعلم إلى فقه الأحكام الشرعية، وسلكها سلفنا الصالح من الأئمة الأعلام هي التمذهب، أي اختيار مذهب من المذاهب الأربعة1،واتخاذه وسيلة للفقه. هذه المذاهب التي نقلتها الأمة بعناية فائقة حتى وصلتنا مخدومة متبوعة، لها أتباع كثيرون، وتسابق العلماء على خدمتها بالشرح والتأليف والتأصيل والتفريع والاستدلال والاستنباط وتخريج الأدلة والنصوص، فشكلت هذه المذاهب مدارس فقهية غنية بالثروة الفقهية. وليس في هذه الدعوة تعصب للتمذهب أو جمود عليه، وإنما هو وسيلة للتفقه في أحكام الشريعة. وإن نتائج ذلك محمودة، وعلى هذا درج سلفنا الصالح، وتفقهوا في الأحكام الشرعية، وترجمتهم الذاتية شهادة على ذلك.
نماذج من العلماء الأوائل
المذهب الحنفي: الطحاوي، والعيني، والألوسي، والقاري والزيلعي والدهلوي….وهم أحناف. المذهب المالكي: القرطبي، والباجي، وابن عبد البر، وابن العربي …وهم مالكية. المذهب الشافعي: النووي، وابن حجر العسقلاني، والغزالي، وابن كثير، والذهبي، والسيوطي … وهم شافعية. المذهب الحنبلي: ابن عقيل، وابن قدامة، وعبد القادر الجيلاني، والمقدسي، وابن عبد الهادي، وابن القيم، وابن رجب … وهم حنابلة. إلى غير هؤلاء من أئمة الدين وأعلام العلم والإيمان، وتمذهبهم هذا لا ينقص من قيمتهم ماداموا غير متعصبين لمذهبهم أو جامدين عليه، وكل من حاول التفقه بعيدا عن هذه المدارس الفقهية الكبرى، وانساق وراء من يدعو إلى غير ذلك فإنه يكون متبعا له متمذهبا بما ذهب إليه هو.
1- والمذهب: لغة مكان الذهاب وهو الطريق واصطلاحا الأحكام التي اشتملت عليها المسائل، شبهت بمكان الذهاب، بجامع أن الطريق يوصل إلى المعاش، وتلك الأحكام توصل إلى المعاد ، نقلا عن الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي 1/28. |
|