سلسلة  شعب الإيمان

الخصلة الأولى

الصحبة و الجماعة

الشعبة الثامنة

القوامة والحافطية

قواعد منهاجية  

جمع الله عز وجل وظيفة الزوج ووظيفة الزوجة في قوله جل ذكره:"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله."

فالرجل مسؤول عن رعيته يربيها، ويطعمها، ويكسوها، ويحميها، ويقيها نارا وقودها الناس والحجارة بتوجيهها إلى الإيمان. والمرأة حافظة لغيب الرجل، حامية لظهره كي ينبعث إلى جهاده آمنا أن تظهر من خلفه عورة تكسر صلبه. جند الله كتائب بعضها يغشى ساحة الجهاد على كل الجبهات، وبعضها خصص الله له الجبهة الأمامية جبهة إعداد المستقبل، جبهة الحفاظ على الفطرة وسط المجتمع المفتون حتى تبرز أجيال غد الإسلام لموعود الله عز وجل.

ولنسائنا مهمة الرجل. ذلك أن المجتمع النساء بيننا جمع بين الحفاظ على التقاليد البالية والسلوك الغازي. فمثقفاتنا بما يشعرن من تخلفهن عن ركب الدعارة الجاهلية في الجملة أشد تحللا وانحلالا من أمثالهن من الرجال. وما عند شعبياتنا من خرافات مردها للبؤس والجهل، والظلم، وطول الأمد، والانبهار بالأسر الثرية، وتقليدها في عادات التبذير، كفيل أن يدفعن لعداء الحجاب والحشمة والتقوى بمثل عداء الأخريات أو اشد.

لكن فطرة الإسلام الموروثة لا يزال لها وجيب تحت رماد الفتنة. فالنساء إن صلحن كن الركين في بناء المجتمع الإسلامي المتجدد.

فعلى المؤمنات أن يعرفن جبهتهن. وعلى الرجال الدعوة قبل قيام دولة الإسلام وبعده أن يعطوا لبؤس المرأة وحرمانها وظلمها ما تطلبه من النصفة أول الأوليات.   المنهاج النبوي ص:142 - 143

الأستاذ عبد السلام ياسين

 الأستاذ بن سالم باهشام

 بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه  

أيها الأحباب الكرام إذا كان الإسلام قد حث على الزواج  و رغب فيه صيانة للناس من الزنا، و للمجتمع من الخراب، و أمر باختيار الزوج و الزوجة، و بين أن الطيب هو الذي يتزوج الطيبة و أن الخبيث لا يتزوج إلا خبيثة فقال عز وجل في سورة النور:      ] الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة و رزق كريم[  و بين أن من تضييع الوقت أن يدعي أحد انه سيتزوج غير ذات الدين و سيدعوها للدين.

بعد هذا كله جاء ليصون لنا هذا البيت الذي دعا إلى تكوينه. فكما نظم سبحانه و تعالى العلاقات بين الذكور  و الإناث في عالم الحيوانات و الحشرات أراد سبحانه و تعالى من الإنسان المكلف -سيد هذا الكون- رجلا و امرأة أن ينظما علاقتهما في وسط  الأسرة فكلف الرجل بالقوامة و حمل المرأة مسؤولية الحافظية. فموضوعنا اليوم هو الشعبة الثامنة من شعب الإيمان السبع و السبعين وهي: القوامة و نترك الحافظية لنتحدث عنها في الحلقة المقبلة إن شاء الله تعالى. قال سبحانه في محكم كتابه من سورة النساء: ] الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله[ لقد أعطى الإسلام للزوج حق القوامة على المرأة ليكون رجلا حقا، يعرف كيف يقود سفينة الحياة في أسرته نحو شاطئ السلامة و الهدى و الرشاد، و حذر الرجال قاطبة من أن تأخذهم الفتنة بالنساء فتعشوا أبصارهم و تخور عزائمهم، و يرق دينهم، فيتغاضون عن انحراف النساء عن جادة الشرع، ثم يفلت من أيديهم الزمام، فإذا المرأة المنحرفة كل شيء في البيت لا يعطى لها أمر، ولا ترد لها كلمة ولا ترفض لها رغبة، وصدق رسول الله r إذ جعل هذا أخر فتنة تصيب الرجال فيما روى البخاري و مسلم: ] ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء[. إن الزوج المسلم أيها الأحباب الكرام هو الرجل الذي لا يضعف أمام فتنة زوجته المنحرفة مهما طغت تلك الفتنة، ويفهمها بكل لطف و لباقة أن فتنتها إذا كانت حبيبة إلى نفسه. فإن مرضاة الله أحب، و أن مودة الرجل لزوجه مهما عظمت فهي دون حب الله ورسوله r.  قال تعالى في سورة التوبة:] قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين[ الآية 24 ومن ثم تنتفي  من حياة المسلم الحق الصادق هذه المخالفات النسائية التي نجدها في بيوت كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام.

أيها الأحباب الكرام إن الرجل الذي يرى بأم عينه وهو القائم على شؤون البيت وهو المدير زوجته تخرج إلى الشارع متبرجة كاسية عارية وقد أبدت شعرها و كشفت عن صدرها و ساعديها ولا يبادر إلى تغيير هذا الواقع المنحرف عن هدي الله و أدب الإسلام إنما فقد رجولته و انحسر عن إسلامه و باء بغضب من الله و لن ينتشله من هذه الوهدة التي ارتكس فيها إلا توبة نصوحا توقظ ضميره وهزه عنيفة تحرك رجولته و ترده إلى الطريق القويم و الصراط المستقيم. إن بيت الزوجية أيها الأحباب الكرام  يكون مبنيا على المحبة بين الزوجين و إذا كان ذلك كذلك فإن المرأة تبادر بالقيام بما يرضي زوجها في بره. روى ابن هشام أن الطفيل بن عمر الدوسي لما دخل في الإسلام وهو شيخ قبيلة  أتته امرأته لكي تقترب منه فمنعها وقال لها: ] لقد أصبحت علي حرام. قالت : ولم؟ قال : أسلمت. فكان ردها : أنا منك و أنت مني وديني دينك و أسلمت[ إن هذه المرأة لم تحتجب فقط كما نطالب  الكثير من النساء المصليات، بل اعتنقت الإسلام و التزمت بكل تعاليمه بسبب محبتها لزوجها و اتخاذه قدوة لها حيث قالت: ] أنا منك و أنت مني[ .

إن من قوامة الرجل المسلم في بيته سعيه بكل الوسائل المجدية الإيجابية إلى توجيه زوجته و إرشادها إلى الحق بدل إهمالها و تركها عرضة لوسائل الإعلام الهدامة و لنا في الجيل الأول في رجال الأنصار من نسائهم أسوة حسنة. روى أبو داود عن صفية بنت شيبة قالت : ] بينما نحن عند عائشة رضي الله عنها ذكرنا نساء قريش و فضلهن فقالت عائشة رضي الله عنها : ] إن لنساء قريش لفضلا، و إني و الله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ولا أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل!  ‍لقد أنزلت سورة النور ] وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة فما منهم امرأة إلا قامت  إلى مِرْطِها المُرحّل (وهو كساء من صوف نقشت فيه تصاوير الرحال) فاعتجرت به (أي تلففت به ) تصديقا و إيمانا بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله r معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان). أيها الأحباب الكرام إن كل مسلم مسؤول عن التزام زوجته بآداب الإسلام في الخروج من البيت بالإذن، ومسؤول عن ارتداء زوجته اللباس الشرعي الذي يصون عورتها، ويوم تغلب الزوجَ زوجتُه أو بيئته على   أمره و تحملانه على تخطي هذا الحكم الشرعي و يقف عاجزا أمامها لا يبدئ ولا يعيد، فسلام  على دين هذا الرجل، و سلام على رجولته معا. ثم إن مسؤولية الزوج عن زوجته لا تقتصر على مظهرها الخارجي المتمثل في اللباس، و إنما تتعداه إلى عبادتها و سلوكها في الحياة، فهو مسؤول عنهأ  إن قصرت في عبادة أو فرطت في جنب الله بتهاون أو معصية، ومسؤول عن حسن سيرتها واستقامة سلوكها وقيامها بواجباتها الشرعية، وأي تقصير منها في جانب من هذه الجوانب يكون سببا في الإخلال برجولة الزوج ويقدح في حسن إسلامه و يخدش القوامة التي أكرمه الله بها.

اعلموا أيها الرجال المومنون أن الإسلام جعل المرأة أمانة في عنق الرجل وليست مجرد متاع يتمتع بها الزوج، و غالبا ما تكون المرأة على دين زوجها يقودها معه إما إلى الجنة و إما إلى النار ، ومن ثم كان أمر الله للمومنين في وقاية أنفسهم و أهليهم من النار معا. وقد جاء مصورا العاقبة المخيفة المروعة في مشهد رهيب تنهلع لشدته القلوب، و تدار من هوله الرؤوس إن هم تهاونوا في أمر نسائهم و ذويهم ولم يأطروهم  على الحق أطرا، قال تعالى في سورة التحريم:  ] يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يومرون[ الآية 6.

وفي إطار أداء هذه القوامة على أحسن وجه و الحفاظ عليها، على الزوج أن يكون على اطلاع بحقيقة المرأة و حالتها النفسية، وهي أن حاجتها المادية قد تدفع بها إلى عدم صيانة عرضها. ففي حديث البخاري الذي يتحدث عن الثلاثة نفر الذين سد عليهم الغار نستخلص هذه الحقيقة ، وهي أن المرأة التي تحدث عنها الحديث لم يكن عندها أي رغبة في الانحراف بدليل أنها رفضت في المرة  الأولى أن تمكنه من نفسها و ذكرت ابن عمها في المرة الثانية بتقوى الله ، وهذا معناه أن ذهابها إليه كان قهرا بسبب الاحتياج. إن من طبيعة المرأة أنها تخضع و تضعف أمام احتياجها المادي، ومن أجل خطورة  احتياج المرأة نجد أن النبي r يجيز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه و بقدر حاجتها إذا كان بخيلا. فقد روى البخاري أن هندا زوجة أبي سفيان جاءته وقالت : إن أبا سفيان رجل مسيك فهل يجوز لي أن آخذ من ماله دون علمه؟ فأذن لها  النبي r بقدر حاجتها. هذه حقيقة. الحقيقة الثانية أنه يجب على الزوج أن لا يستهين برغبة الزوجة النفسية، بل عليه الاستجابة مادامت مشروعة، فهذا الرسول r يترك عائشة رضي الله عنها  مسندة وجهها إلى خده وتنظر من فوق منكبيه إلى الحبشة يلعبون حتى شبعت . نستخلص من هذا أن الاستجابة لرغبة الزوجة في المجال المادي يجب أن يتحقق بقدر الاحتياج لإذن الرسول r لهند زوجة أبي سفيان أن تأخذ بقدر حاجتها، أما في المجال النفسي المشروع فيجب أن يكون التحقيق حتى الإشباع،  ومن أهم الأمور التي تحقق للمرأة إحساسها مع زوجها و رضاها عن بيتها هو ألا ترى زوجها يعيبها في تصرفاتها ووظيفهتا بصفتها زوجة وعلى هذا يجب على الرجال القوامين أن يتخلقوا بأخلاق الرسول r ، في هذه الناحية تقول عائشة رضي الله عتها عن الطعام: (ما عاب رسول  الله r طعاما قط إن اشتهاه أكله و إن كرهه تركه).

وكذلك لا ترى الزوجة زوجها يعيبها في شكلها و مظهرها ،ولذلك نهى النبي r عن أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها: قبحك الله. كما يجب على الرجل أن يستجيب لطبيعة المرأة التي  لا يمكن أن تتغير فيها. مثال ذلك طبيعة حب الحديث، لهذا يحتم عليه سماع حديث زوجته، و أن يظهر تجاوبا و اهتماما لذلك فهذا الرسول r يسمع من عائشة رضي الله عنها حديث أم زرع الطويل كما روى البخاري في  حسن المعاشرة، و يقول لها: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع".

أيها الأحباب الكرام إن قوامة الرجل على المرأة لا تتحقق كما أرادها الإسلام إلا إذا  كان الزوج رجلا ناجحا في قيادته لبيته و أسرته، و الزوج المسلم لا يكون رجلا بغلظته و فظاظته و قسوته و عنفه وبطشه و سلاطة لسانه .فهذه رجولة الجاهلية، و الرجولة في الإسلام شيء آخر غير هذا كله.

الرجولة في الإسلام شخصية قوية جذابة محببة،  و خلق عال نبيل و تسامح و إغضاء وعفو عن الهفوات الصغيرة ووقوف حاد جازم عند حدود الله  و تطبيق لأحكامه على أفراد الأسرة جميعا، وقيادة بارعة لبقة نحو الخير، وبذل وسخاء  في غير إسراف ولا تبذير ونباهة ووعي و شعور بالمسؤولية في الدنيا والآخرة     وإدراك للحالة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها البيت المسلم الراشد، هذه هي  القوامة التي أناط الإسلام بها الرجل، فما هي الحافظية ؟  الجواب على ذلك في الحلقة المقبلة إن شاء الله تعالى

ألقيت في شعبان 1417 الموافق 3 يناير 1997

أيها الأحباب الكرام تعالوا بنا لنرى صنع الله الذي أتقن كل شيء لتظهر لنا عظمته سبحانه و تعالى و بالتالي نستجيب لهديه و تكون الثمرة سعادة الدارين. لقد خلق الله سجانه و تعالى الناس من ذكر و أنثى. زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون. قال عز وجل في سورة الذاريات:] ومن كل شيء خلقنا زوجين  لعلكم تذكرون [ . وجعل  من وظائف المرأة أن تحمل و تضع وترضع و تكفل ثمرة الاتصال بينها و بين الرجل، وهذه الوظائف هي ضخمة أولا، وخطيرة ثانيا، هذه الوظائف ليست هينة ولا يسيرة يمكن أن تؤدى بدون إعداد عضوي و نفسي و عقلي عميق غائر في كيان الأنثى!. ونظرا لكون الر جل و المرأة من خلق الله و أنه سبحانه و تعالى لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، و يمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة فإنه زود المرأة فيما زودها به سبحانه وتعالى من الخصائص بالرقة والعطف وسرعة الانفعال والاستجابة  العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية لتسهل تلبيتها فورا. وجعل سبحانه و تعالى في ذلك لذة لتكون الاستجابة سريعة من جهة ، ومريحة من جهة أخرى، و إن كان في ذلك مشقة و تضحية، وفي إطار العدل الإلهي ونظامه المحكم الذي يتجلى في الكون كله، وصنعه سبحانه و تعالى المتقن، جعل من وظائف الرجل كي تتفرغ المرأة لوظيفتها  الخطيرة توفير الحاجات الضرورية،  و توفير الحماية  كذلك للأنثى بدل أن تحمل و تضع و ترضع و تكفل ثم تعمل و تكد و تسهر لحماية طفلها في آن واحد! وكان من العدل الإلهي أن يمنح سبحانه و تعالى الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي و العقلي و النفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، و أن يمنح سبحانه وتعالى المرأة في تكوينها العضوي و العصبي والعقلي و النفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك. وكان مما زود به سبحانه وتعالى الرجل من الخصائص : الخشونة والصلابة و بطء الانفعال و الاستجابة، واستخدام الوعي و التفكير قبل الحركة والاستجابة، لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام، وإعمال الفكر، و البطء في الاستجابة بوجه عام، وكل هذه الأمور عميقة في تكوين الرجل مثل عمق خصائص المرأة في تكوينها. رغم كل هذا لم يترك سبحانه و تعالى هذا الإنسان لهذه الخصائص تعمل عملها. فهناك الأهواء و الشهوات و العادات التي قد تحرف الفطرة عن مسارها الصحيح، لهذا أنزل سبحانه شرعة و منهاجا يراعيان هذه الاستعدادات الموهوبة  لأداء الوظائف  المنوطة بكل من الرجل و المرأة وفق هذه الاستعدادات ويراعيان العدالة في توزيع الأعباء بين الرجل و المرأة، و يراعيان العدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها و أن الله عز وجل  لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه، بل إننا نجد في شرعة الله ومن منهاج رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه خصائص الرجل و خصائص المرأة، كما نجد فيهما العقوبة المترتبة على كل مخالفة لهذا التشريع الإلهي و الهدي النبوي، وهذه العقوبة تشمل ثلاثة أنواع: عقوبة فطرية تكون نتيجة مخالفة هذا القانون الإلهي الذي نظم سبحانه و تعالى عليه خلقه، و عقوبة شرعية بين الإسلام مقدارها، وعقوبة أخروية وهي أشد أنواع العقوبات إن لم يتب الشخص من معصيته سواء كان ذكرا أو أنثى.

ومن المهام التي كلف بها سبحانه و تعالى الرجل و المرأة لتستقيم الأسرة التي هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية. الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق، و الأولى من ناحية الأهمية لأنها تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصور الإسلامي. إن من هذه المهام التي كلف بها هذا الإنسان هي القوامة و الحافظية وهما الشعبة الثامنة من شعب الإيمان، فمن هو الأهل للقوامة، ومن هو الأهل للحافظية حسب استعدادات كل واحد.؟ إن القاعدة العلمية تقتضي منا أن نرد الصنعة إلى الصانع، فهو الأعلم بوظيفة كل واحد. ففي سورة النساء نجد قول الحق عز وجل :] الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم  على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله[ . إن الخصائص أيها الأحباب التي أودعها الحق عز وجل في الرجل تجعله أقدر على القوامة و أفضل في مجالها كما أن تكليفه بالإنفاق وهو فرع من توزيع الاختصاصات يجعله بدوره أولى بالقوامة لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، و الإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة ووظيفة الرجل فيها. إن القوامة أيها الأحباب الكرام لا تقتصر على النفقة وحماية الجانب الدنيوي فقط بل تشمل حتى الأخروي. ففيها حماية المرأة  من أذى الدنيا والآخرة، فالرجل مسؤول عن رعيته يربيها و يطعمها ويكسوها ويحميها و يقيها نارا وقودها الناس والحجارة بتوجيهها إلى الإيمان، قال تعالى: ] يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة[.

أيها الأحباب الكرام إن الإسلام وهو يقرر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي لا يقرر ذلك تبعا للأهواء، و إنما لذلك أسباب من التكوين و الاستعداد، و أسباب من توزيع الوظائف و الاختصاصات، و أسباب من العدالة في التوزيع من ناحية، وتكليف كل شطر في هذا التوزيع بالجانب الميسر له و الذي هو معان عليه من الفطرة.

أما الأفضلية الواردة في الآية القرآنية المتحدثة عن القوامة و الحافظية فهي في مكانها في الاستعداد للقوامة و الدربة عليها و النهوض بها بأسبابها لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة كسائر المؤسسات الأقل شأنا و الأرخص سعرا من مؤسسة الأسرة، و لأن أحد شطري النفس البشرية و الذي هو الرجل مهيأ لها معان عليها، مكلف تكاليفها في حين أن الشطر الآخر الذي هو المرأة غير مهيأ لها  ولا معان عليها ومن الظلم أن يحملها و يحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى.

و إذا حاولنا أن نهيئ المرأة للقوامة ودربناها عليها بالتدريب العلمي و العملي فإننا سنفسد لا محالة استعدادها للقيام بالوظيفة الأخرى التي هي وظيفة الأمومة و التي لها مقتضياتها و استعداداتها وفي مقدمتها سرعة الانفعال وقرب الاستجابة ، بالإضافة إلى الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي و آثارها في السلوك و الاستجابة، لهذا فالوظيفة اللائقة بالمرأة في إطار التكليف الإلهي هي الحافظية، ولا تتم هذه الوظيفة عند كل النسوة إلا إذا كانت المرأة صالحة، لهذا رأينا في الشعبة السابقة وهي الشعبة السابعة و التي هي الزواج بآدابه  الإسلامية  و حقوقه أن للإسلام سننا في اختيار الزوجة ذات الدين و بالمقابل اختيار الأزواج  من ذوي الدين و الخلق، إذ لا حاجة لالتماس نشر الدعوة بتزويج المومنين و المومنات ممن ترجى توبتهم، فإنها مضيعة لمستقبل شبابنا. إننا أيها الأحباب الكرام نريد أن نعطي نماذج للأمة في الحياة الزوجية نبين من خلالها صلاحية الدين  الإسلامي و أنه هو السبيل الوحيد دون غيره لسعادة الزوجين، لهذا نصحنا الشباب و نحن نريد تأسيس مؤسسات قوية، و نريد بناء مجتمع سليم طاهر من البدء أولا بتخصيص الطيبين للطيبات بدل أن نبدأ البناء على أرض هشة وذلك بعدم تزوج المرأة الصالحة الطيبة، حتى إذا ما علا البنيان بعقد النكاح وولادة الأولاد تصدعت الجدران و بدأنا في الترميم و الترقيع خشية سقوطه. وكلكم أيها الأحباب الكرام يلاحظ أن جل بنيان أسرنا هش و متصدع الجدران لأنه لم يبن على أرض صلبة وذلك باختيار الزوجة ذات الدين و التي هي من خير متاع الدنيا بل ومن أسباب السعادة. روى  الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه أن الرسول r قال:"الدنيا متاع و خير متاعها المرأة الصالحة. إذا نظرت إليها سرتك. و إذا غبت عنها حفظتك فغي نفسها ومالك ". وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي أمامة أن النبي r قال: "ما استفاد المؤمن من بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته و إن نظر إليها سرته، و إن أقسم عليها أبرته و إن غاب عنها نصحته في نفسها و ماله ". فتقوى الله زاد المؤمن إلى الآخرة، و المرأة معينة له على ذلك بطاعتها في المعروف طاعة محبة بدون إكراه، لهذا وصفها سبحانه و تعالى في القرآن بأنها قانتة، و القنوت هو الطاعة عن إرادة و توجه و رغبة ومحبة لا عن قسر و إرغام ، تطبيعه إذا أمرها بعبادة ربها و المحافظة على صلواتها و فرائضها, تطيعه إذا أمرها بعدم الخلوة بالأجانب من عائلته أو عائلتها تفاديا للوقوع في الزنا و استجابة لمن لا ينطق عن الهوى سيدنا محمد r الذي قال: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".

وتطيعه إذا أمرها بصيانة جوارها و خصوصا لسانها و عينيها, و كيف لا تطيعه وهو قائد السفينة, و هو الربان في وسط أمواج بحار فتن الدنيا، إذ في طاعتها له محافظة على سلامة سير السفينة؟ كما أنها تسره إذا نظر إليها فلا ينظر منها إلا جميل اللباس و أنظفه و لا يرى منها إلا حسن المنظر, كما تسره إذا نظر إليها بحسن خلقها الذي يزيدها جمالا في الخلقة, إذ لا تبدي زينتها لغيره من الأجانب حفاظا على عدم فتنتهم،كما أنها تحافظ على سير السفينة التي يقودها الربان و الذي هو الزوج بمحافظتها على ماله فلا تضيعه ولا تبذره, كما تحفظ نفسها و عرضها, وعلينا أن نعلم أيها الأحباب الكرام أن ما لا يباح  مما يجب حفظه لا تقرره هي ولا يقرره هو, إنما يقرره الله سبحانه و تعالى, لهذا قال الله عز و جل في محكم  كتابه: ] بما حفظ الله [ فليس الأمر أمر رضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها في غيبته أو في حضوره ما لا يغضب هو له، أو ما يمليه عليه و عليها المجتمع و خصوصا إذا انحرف المجتمع عن منهج الله. إن هنالك حكما واحدا في حدود هذا الحفظ فعليها  أن تحفظ نفسها ] بما حفظ الله [ و التعبير القرآني لا يقول هذا بصيغة الأمر, بل بما هو أعمق و أشد توكيدا من الأمر إنه يقول : إن هذا الحفظ بما حفظ الله هو من طبيعة الصالحات ومن مقتضى صلاحهن, وعلى الرجل القوّام في إطار القوامة أن يساعد زوجته على هذه الحافظية, فينبغي أن تكون له غيرة على زوجته في حدود المشروع، و ينبغي أن لا يدخل عليها من يحرم الإسلام. و لنا في الرسول r القدوة الحسنة إذ قال لما اتهم المنافقون  أم المومنين عائشة الصديقية الصالحة الطاهرة القانتة رضي الله عتها بالزنا في حادثة الإفك, قال عليه الصلاة و السلام في دفاعه عن عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري و مسلم : " يا معشر المسلمين من يعذرني في رجل (ويقصد به عبد الله ابن أبي سلول  ) بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت في أهلي إلا خيرا، وما كان يدخل  على أهلي إلا معي" و يقصد صفوان بن المعطل الذي اتهموه إفكا مع عائشة رضي الله عنها و برأها الله عز وجل.

كما على الرجل القوام وهو يساعد زوجته الحافظة لحدود الله على الحافظية أن لا يصف لها الرجل كأنها تراه إذ يفضي بها الشوق إلى رؤية الموصوف، لهذا روى الترمذي أن الرسول r قال:  "لا يصف الرجل الرجل لزوجته كأنها تراه, ولا تصف المرأة  المرأة لزوجها كأنه يراها" وعندما يكون الوصف من الزوج نفسه لزوجته تشعر المرأة بأن لها حق الاستمتاع بصفات الرجل الذي يصفه زوجها، و الاهتمام بأمره و السؤال عنه باعتبار أن المتحدث  هو الزوج وبعد ذلك تقارن بين زوجها و الرجل الموصوف.

كما ينبغي على الزوج أن لا يدخل بيته إلا المؤمن, ولا يأكل طعامه إلا التقي كما قال عليه الصلاة و السلام:"لا يدخل بيتك إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي"  إذ المؤاكلة تقرب بين النفوس بالطبيعة الإنسانية,  لهذا لابد أن تتوفر التقوى التي تجعل هذا التقارب النفسي طاهرا نقيا.

كما ينبغي  على الرجل أن يعرف طبيعة المرأة و أن الله عز و جل خلق لها مزاجا يوافق دورها في البيت, ولقد وصفها الرسول r بالضِلَع الأعوج وليس في هذا الوصف من عيب إذ اعوجاجها الضلعي هو استقامتها, وهو انحناء معنوي و حنو، وهو عاطفة و رحمة.

هذا هو نظام الأسرة أيها الأحباب الكرام حقوق متبادلة بين الزوجين, لهذا يجب على كل واحد أن يعرف حقه وواجباته, و أن يعرف وظيفته. ولقد أعطى الإسلام للزوج حق القوامة على المرأة ليكون رجلا بحق يعرف كيف يقود سفينة الحياة في أسرته نحو شاطئ السلامة, وحذر الرجال قاطبة من أن تأخذهم الفتنة بالنساء  فيرق دينهم و يتغاضون عن انحراف النساء عن جادة الشرع ثم يفلت من أيديهم الزمام فإذا المرأة المنحرفة كل شيء في البيت لا يعطى لها أمر ولا ترد لها كلمة ولا ترفض لها رغبة, وصدق رسول الله r إذ قال فيما رواه البخاري و مسلم : "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء".

إن الزوج المسلم حقا و الذي فيه ميزة الرجولة لا يضعف أمام فتنتة المرأة بل يعلم أن مرضاة الله هي أحب إليه من إرضاء شهوته أو زوجته, و أن مودة الرجل لزوجته مهما عظمت فهي دون حب الله و رسوله r لهذا سبقنا في ترتيب شعب الإيمان في بنائنا حب الله و حب رسول الله r

الصفحة الرئيسية