سلسلة شعب الإيمان

الخصلة الأولى

الصحبة والجماعة

الشعبة الثالثة

صحبة المؤمنين وإكرامهم

قواعد منهاجية  

صحبة الأخيار، وزيارتهم، وإكرام الزائر، وإكرام ذوي الحرمة من العلماء والصالحين، وآل البيت، وعامة المسلمين وتوقير الكبير، ورحمة الصغير. المجتمع الإسلامي مجتمع إخاء ورحمة، فيعبر عن هذه الاخوة بكل معاني الإكرام والإحسان، مع إنزال الناس منازلهم حسب غنائهم في الإسلام وسابقتهم وحظهم من الله عز وجل.     المنهاج النبوي ص:138 - 139

الأستاذ عبد السلام ياسين

الأستاذ بن سالم باهشام

 بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه

أيها الأحباب الكرام، من الأمثلة الواقعية أن بدويا دخل مدينة فاس، فجال في أزقتها، ولما بهره منظرها وما رآه مما لذ من الطعام والشراب رفع أكفه إلى السماء وقال: اللهم يا رب انقل أهل فاس إلى الجنة وانقلنا إلى مدينة فاس. إنه قصور في الفهم أولا، وعدم ثقة بما عند الله ثانيا، وما عند الله خير وأبقى، فكيف يفضل هذا الشخص الأمر الفاني على الباقي؟! إن النموذج الأسمى الذي لا مثيل له عند هذا البدوي هوما رآه. ونفس العقلية نجدها عند من يذهب إلى أروبا من أبناء جلدتنا، فيبهر بما يشاهده من نظام ظاهري في العلاقات بين الأشخاص فيكون ما رآه هونموذجه الأسمى ويكون طموحه هوالوصول إلى مثل ما وصل إليه الغرب دون أن يمحص العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وعلى أي شيء بنيت، ودون أن يعرف أنها مبنية على المصالح الدنيوية فقط، كما أنه لم يلاحظ الجفاء الأخلاقي بين الأفراد، وإنما اقتصر على الحكم الظاهري وأعرض بذلك عن النموذج الأسمى الذي لا يمكن للبشرية جمعاء مهما تقدمت قوانينها وأخلاقها أن تصل إلى مثله في غياب تعاليم الدين الإسلامي، إنه نموذج المجتمع المسلم. إن النموذج الذي يجب أن ندعوإليه عباد الله ونبذل كل جهودنا لإيجاده ونحن على ثقة تامة بصلاحه هوالمجتمع المسلم، مجتمع الإخاء والرحمة. المجتمع الذي يقدر الأخيار من الناس، ويعرف مكانة العلماء والصالحين وآل البيت. المجتمع الذي يقدر الكبير والصغير والزائر، المجتمع الذي لا يبنى على الأنانيات والمصالح الدنيوية مثل المجتمع الغربي، وإنما يبنى على حب الله وحب رسوله r  والحب في الله. المجتمع الذي لا يبتغي أفراده من كل تصرف من تصرفاتهم عرضا من أعراض الدنيا الزائلة، وإنما يريدون وجه الله عز وجل. قال تعالى في محكم كتابه: ] وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى[.

فيا عباد الله، تعالوا بنا إلى كتاب الله وهدي رسوله r اللذان بهما نعيد تكوين الأمة المنسجمة التي تفوق عالم الحيوانات والحشرات في نظامها، كما تفوق كل المجتمعات البشرية في انسجامها وتضامنها، بل تكون شاهدة على كل المجتمعات وقدوة لها وتبين لهم صدق ما ندعوهم إليه، عالم مسلم يصدر عن الله، ويتجه إلى الله، ويليق أن ينتسب إلى الله، عالم نقي القلب، نظيف المشاعر، عف اللسان، وقبل ذلك عف السريرة عالم له أدب مع الله، وأدب مع رسول الله r، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه، وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، كما له نظمه التي تكفل صيانته، إنها شرائع ونظم ربانية تقوم على ذلك الأدب وتنبثق منه وتنسجم معه، فيوافق باطن هذا العالم ظاهره، وتتلاقى شرائعه ومشاعره، إذ لا تكون القوانين في جهة والمشاعر في جهة أخرى، تتوازن دوافعه وزواجره. إنه العالم الذي يكرم الإنسان لسموأهدافه وهويتجه ويتحرك إلى الله، لهذا عباد الله لا يمكن أبدا أن يتحقق هذا العالم- الذي نطمح إليه – رفيعا كريما نظيفا سليما مصونا اعتمادا على أدب الضمير ونظافة الشعور أوأي تشريع أوتنظيم شرعي، أوعلى شعور الفرد وجهده، أوعلى نظم الدولة وإجراءاتها فقط. إن المجتمع الذي نطمح له هوالمجتمع الذي قال فيه الحق عز وجل: ] واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا[. والذي قال فيه سبجانه من سورة الحجرات:] إنما المؤمنون إخوة [.

روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) "وشبك بين أصابعه". إنه تمثيل يفيد الحض على معاونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك ليس من باب التطوع بل هوأمر متأكد لابد منه، لأن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا ويقويه، وإن لم يكن ذلك انحلت أجزاؤه، وخرب بناؤه وكذلك المؤمن لا يستقل بأمر دنياه ودينه إلا بمعاونة أخيه المسلم ومعاضدته، فإن لم يكن ذلك، عجز عن القيام بكل مصالحه وعجز عن مقاومة مضاره، فحينئذ لا يتم له نظام دنياه ولا دينه، ويلحق بالهالكين. إن ما نطمح إليه عباد الله ونحن نريد بناء مجتمعنا، ليس ضربا من المثالية الحالمة، بل هي حقيقة وقعت في فترة من فترات التاريخ. ولم تنبت فجأة، ولم توجد مصادفة، ولم تخلق بين يوم وليلة، كما أنها لم تظهر نتيجة نفحة تغير طبائع الأشياء كلها في لحظة، أوومضة، بل نمت نموا طبيعيا بطيئا كما تنموالشجرة الطويلة العميقة الجذور التي أخذت الزمن اللازم لنموها. كما أخذت الجهد الموصول الثابت الضروري لهذا النمو. واحتاجت إلى العناية الساهرة والصبر الطويل والجهد البصير في تهذيبها وتشذيبها، واحتاجت إلى معاناة التجارب الواقعية المريرة، والابتلاءات الشاقة المضنية، وفي كل هذه التجارب والابتلاءات كانت تتمثل الرعاية الإلهية للمجتمع المختار على علم لحمل هذه الأمانة الكبرى، وتحقيق مشيئة الله في الأرض، بالإضافة إلى هذا كله ما كان يتميز به ذلك الجيل النبوي من ظروف وأحوال، هيأت له من مصاحبة الرسول r. فيا عباد الله إنها مسؤولية عظمية ملقاة علينا جميعا لإعادة بناء مجتمع الأخوة الذي يقتدي بمجتمع النبوة. لهذا فإن أول ما نبدأ به بعد تحقيقنا لحب الله عز وجل وحب رسوله r والحب في الله، هوحب الأخيار من هذه الأمة وزيارتهم، وإكرام آل البيت. من هنا يبدأ البناء، كما بدأ بصحبة الرسول r في ذلك المجتمع النبوي.

المطلوب منا عباد الله أن نرجع الأمور إلى نصابها، فنقدر من قدر الله ونحيي شعائر الإسلام، ومن شعائره زيارة  أهل الصلاح وصحبتهم. قال تعالى في سورة الكهف: ] واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه[  وروى مسلم  عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبوبكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله r: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله r يزورها…)الحديث. وأم أيمن هي حاضنة النبي r وخادمته في طفولته، كان r يكرمها ويقول: "أم أيمن أمي".

فيا عبد الله وأنت يا أمة الله، هل تزوران الأخيار من الأمة كما كان يزور الرسول r حاضنته وكما اقتفى أثره خليفة رسول الله r عمر رضي الله عنهما. هذه ميزة من مميزات مجتمع الأخوة الذي نطمح إليه ونسعى لتحقيقه.

الميزة الثانية: إكرام العلماء الصادقين وتقديرهم كما قدرهم الحق عز وجل، قال الله تعالى في سورة المجادلة: ] يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات[ وقال الإمام علي كرم الله وجهه: (أقل الناس قيمة أقلهم علما) ومن لم يقدر العلماء لم ينتفع بعلمهم قال لقمان الحكيم: (جالس العلماء وزاحمهم بركبتك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بماء السماء). ومن حرم خلق تقدير العلماء الذين لا يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، كان شقيا، روى البيهقي في شعب الإيمان كتب أبوعثمان إلى محمد  بن الفضل يسأله، ما علامة الشقاوة؟ فقال: ثلاثة أشياء أحدها: أن يرزق العمل ويحرم الإخلاص والثاني: أن يبرز صحبة الصالحين ولا يحترم لهم.. 

الميزة الثالثة لمجتمع الأخوة: إكرام آل بيت رسول الله r. وتعالوا بنا عباد الله لنعرف من هم آل البيت أولا من خلال الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمروبن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنهم فلما جلسنا إليه قال له حصين:  لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا. رأيت رسول الله r وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا !حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله r، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي (أي أحفظ) من رسول الله r فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله r يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك (أي يقرب) أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين (سميا بذلك لعظمهما).

أولهما: "كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به"، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي!" فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده (أي لا تعطى لهم زكاة ولا نذر ولا كفارة) قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

ومن مميزات مجتمع الأخوة والرحمة: إكرام عامة المسلمين، وتوقير الكبير ورحمة الصغير، وإنزال الناس منازلهم على قدر صلاحهم وخشيتهم لله وعلمهم ومكانتهم من الله، روى أبوداود في حديث حسن عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: إن من إجلال الله تعالى (أي تعظيمه) إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط".

وروى أبوداود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله r:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" وفي رواية أبي داود (حق كبيرنا)" إنه مجتمع مبني على التراحم والتقدير والمحبة، لا على الأنانية والمصالح الشخصية. فيا:

أيها الناس أجيبوا دعوة الحــق المبين  إنها دعوة إيمان برب العالمين شرعت ما يسعد الإنسان في دنيا ودين  أطلقت فيه قوى الخير وروح الطامحين  ارجعوا لله، للحق…وكونوا مسلمين. 

ألقيت بتاريخ 10 رجب 1417       /       22 نونبر 1996 

الصفحة الرئيسية